الاثنين 29 سبتمبر 2025 الموافق لـ 6 ربيع الثاني 1447
Accueil Top Pub

مـاذا تقــدّم ورشــات الكتابـــة الالكترونيــة للكــاتـب؟

هل بإمكان ورشات ودورات الكتابة الإلكترونية أن تُقدم -حقًا- تقنيات ومهارات أو أساسيّات الكتابة الأدبيّة الإبداعيّة؟ وهل يمكن أن تُقدم، فرصة لتطوير وتحسين قُدرات في الكتابة الأدبية؟. هذا السؤال يمليه ظهور ورشات إلكترونية تُقدمُ تقريبًا نفس التقنيات والمهارات والأُسس الأولى لتعلم الكتابة الأدبية، لكن عن بُعد وعبر منصات وغرف إلكترونية، في السنوات الأخيرة، بعد أن كانت هذه الورشات تقام في بعض الدورات التقليدية. فهل ما تمنحه هذه الورشات يتجاوز مجرّد التعليم عن بُعد، إلى أشياء أخرى أكثر جدوى وأهمية، مثل سرعة الاِنتشار وكسر الحواجز الجغرافية، والتواصل والتشارك مع أسماء مختلفة ومتنوعة؟ وهل يمكن لهذه الورش أن تكون أداة فعّالة لتطوير المهارات الإبداعية حقا. أم أنّها لا يمكن أن تجود بالفن على من لا تؤهله مواهبه وقدراته لذلك؟ أسئلة كثيرة تُطرح/ويتم طرحها حول هذا الشأن «ورشات ودورات الكتابة الإلكترونية» وما لها وما عليها. واليوم يَفْتَحُ «كراس الثقافة» لهذا الأسبوع ملف العدد للحديث عن هذه الظاهرة ومُناقشتها مع مجموعة من الكُتّاب والنُقاد وبعض المؤطرين لورش الكتابة الأدبية والنقدية.

أعدت الملف: نوّارة لحـرش

* الناقد والكاتب لونيس بن علي
لا تقـــــدم الورشــــــة حلـــولاً سحريـــــة لمشكـــلات الكتابــــة لكنهــــا ضروريـــــة
يقول الناقد الأدبي والكاتب لونيس بن علي " أتحدث عن فكرة (الورشة) اِنطلاقاً من تجربة شخصية بصفتي مُشرفًا على (ورشة كتابة المقال النقدي)، والورشةُ بلغت موسمًا ثالثًا تَكَلَلَ بالنجاحِ، سواء بالعودةِ إلى اِنطباعات المُشتركين الذين أكّدوا بأنّ الورشةَ نجحت في إعادة الشغف إليهم، ويقصدون شغف القراءة بالدرجة الأولى، كما كانت فرصة جيدة لتعلم أبجديات الكتابة النقدية، أو بالعودةِ إلى ما أسفرت عنه الورشة من إنتاجِ نقدي تَمَثَّلَ في كِتاب جماعي أوّل كان ثمرةَ أعمال الدورة الأولى». مُضيفًا: «ونحن بصدّد إصدار كتاب ثانٍ على غرار الأوّل يضم المقالات التي أنتجها المُشترِكون طيلة أسابيع من العمل الّذي وزعناه على مجالين: مجالٌ نظري قدمنا فيه للمشتركين عتادًا نظريًا أساسيًا، ثم مجال تطبيقي من خلال تدريبهم على تقنيات القراءة ثم تحرير المقال النقدي».
وهُنَا أردفَ قائلاً: «يجدر الذّكر بأنّ الورشة مدفوعة، وهذا قد أثار بعض الثرثرة الجانبية، لاسيما من قِبل الذين اِعتبروا وضع رسوم للورشة هو اِبتزاز للمُشتركين، لكني أرى أنّ العمل الفكري والنقدي هو نشاط كأي نشاط مادي آخر، يحتاج إلى لوجستيك خاص، ناهيك عن الجهد المبذول للتحضير للورشةِ من قراءةِ وبحث وتنظيم وتقديمٍ. ألم يحن الوقت لنتحدث بشجاعة بأنّنا ظلمنا الفعل الكتابي عندما أخرجناه من دائرة الأفعال التي تستحق مقابلاً ماليًا؟ هل العمل الثقافي هو عمل خيري؟».صاحب «عزلة الأشياء الضائعة»، يرى أنّ للورشة أهمية وجدوى، إذ يقول بهذا الصدد: «من وجهة نظري، أعتبر الورشةَ فضاءً للتعليم، لأنّ القراءة كما الكتابة تحتاجان إلى تأطير وإلى منهجية وإلى عمل جماعي يرسم أهداف واضحة. هل يمكن تعلم القراءة؟ طبعًا يمكن ذلك. هل يمكن تعلم الكتابة؟ طبعًا يمكن ذلك». ويُواصل في ذات الفكرة مُوضحًا: «حسب تجربتي، أغلب الذين اِشتركوا في الورشة هُم من أساتذة الجامعة ومن طلبة الدكتوراه، وقد يتساءل البعض: هل يحتاج هؤلاء إلى تعلم القراءة والكتابة؟ سأقول اِنطلاقًا من خبرتي أنّ الورشة قد نجحت في تحفيزهم أكثر على القراءة والكتابة، فمنهم من فَقَدَ الشغف، ومنهم من عانى من حبسة القراءة والكتابة، ومنهم من أراد أن يتعلم أكثر ويدعم مكتسباته».
واختَتَمَ بقوله: «لا تقدم الورشة وصفات سحرية لاِكتساب المهارات، لكنها تدخل ضمن أفق التعلم، ونحن في أمس الحاجة دائمًا إلى التعلم واِكتساب مهارات جديدة ونقل الخبرات لِمن يحتاج إليها».

* الروائي الصدّيق حاج أحمد الزيواني
نجـــــاح الورشـــــات متوقّــــف علـى مــــــدى خبـــــــرة مـؤطريهــــــــا
يرى الروائي الصدّيق حاج أحمد الزيواني، أنه مع مجيء وباء كورونا، دخل العالم في حالة العزل، وهي حالة حتميّة لاِتقاء شرّ اِنتقال عدوى المرض، مِمَّا فَتَحَ مسالك أخرى لاِستمرارية الحياة، ومن بين هذه المسالك؛ التحاضر والتداول عن بُعد، مِمَّا مَهَدَ السبيل لكثير من الفعّاليّات الثّقافيّة أن تستمرّ، ومنها الورشات الإبداعية.
مُضيفًا: «لقد أثارني موضوع الورشات الإبداعية في حضوره الواقعي والاِفتراضي، ما جعلني أُثير هذه المسألة في صدر روايتي الأحدث (الطّانفا)، لقد كنتُ ولا أزال غَير مُستقرّ في تبني فاعلية الورشات الإبداعية، وإن كُنتُ مُؤمنًا بجدوى بعضها، لا سيما إذا أُعطيت وجبتها لمواهب تتوفّر فيهم خاصيّة الإبداع الفطرية، وينقصهم صقل هذه الخاصيّة وتطويرها، دون أن نغرس الموهبة في من لا تتوفّر فيه أصلاً».
واختتمَ بقوله: «إنّ مسألة الورشات الإبداعية عن بُعد، يمكن أن تكون ناجحة إذا كان مُؤطرها على قدر كبير من الخبرة، وفئتها المُستهدفة مؤهّلة أصلاً، عندها يمكن حصاد نصوص جادة وفارقة، وهذا ما لمسته في الورشات النقدية التي يُقدّمها الصديق الناقد لونيس بن علي، في تحرير المقالات النقدية».

* الروائي عبد الوهاب عيساوي
مــن الصعــب أن تمنحنـــــا الورشــــة القــدرة علـى كتابــــة نـص عميــق أو مُتعــدّد المستويــــــات
يقول الروائي عبد الوهاب عيساوي، في الموضوع: «إنّ الحديث عن ورشات الكتابة الأدبية بشكلٍ عام، وتلك الخاصة بالرواية بشكلٍ خاص، يقودنا إلى التفكير في المُحدّدات الأساسية للتعاطي مع الفن الروائي، ومن ثَمّ تبرز المُقارنة بين الورشات الحضورية والورشات الإلكترونية، حيثُ إنّ لكلّ واحدة مزاياها وقيودها».
مُشيرًا إلى أنّ «الفن الروائي يختلف جوهريًا عن فنون أخرى مثل المسرح، إذ يتميّز بتعدّد الطرح والبناء والرؤية. فشكل الرواية يتغير من كاتب إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، رغم اِشتراكها في الشكل الحكائي والوظائف الأساسية كما بلورها الشكلانيون. غيرَ أنّ طبيعة العلاقات الناشئة بين هذه العناصر وطُرق الاِشتغال عليها تمنح الرواية دينامية غير مُتوقعة، تجعلها تتقاطع مع الحركة الفكرية والحضارية لكلّ بلد. لذا تختلف رواية تُكتب في اليابان عن رواية تُكتب في فرنسا أو أمريكا، رغم أنّنا نشهد اليوم توجهًا نحو عولمة الكتابة الروائية». وفي ذات الفحوى، يُواصل قائلاً: «عادةً ما تركّز الورشات الحضورية على عناصر البناء الفني للرواية: التبئير، بناء الشخصية والحدث، الزمن، والمنطق السّردي. وغالبًا ما تُقدَّم هذه العناصر بأسلوب مدرسي تعليمي. صحيح أنّ هذا المسار مفيد وضروري للكاتب المُبتدئ، لكنه يظل محدودًا إذا غابت لدى الكاتب الرؤية أو ما يمكن أن نُسمّيه السؤال الروائي. هذا السؤال يتشكل عبر ثقافة قرائية واسعة، وحياة مُعاشة، وقدرة على تأمل الواقع وتحليل النصوص والمعارف. وهو أمرٌ لا يمكن للورشات أن تمنحه بشكل مُباشر، لأنّه بناء فكري طويل الأمد، يتشكلُ عبر سنوات من التراكم والقراءة».
مُضيفًا في ذات السّياق: «يمكن للورشة أن تعلّمك كيف تكتب نصًا جيدًا، لكن يصعب أن تمنحك القدرة على كتابة نص عميق أو مُتعدّد المستويات. العُمق مرتبط بفلسفة الكاتب، وموقفه من الحياة، ووعيه بتاريخ الفن الّذي اِختاره، وبِمَا يُضيفه من أسلوب ورؤية». صاحب «الديوان الإسبرطي» ذهبَ إلى سرد بعض تفاصيل تجربته مع ورشات الكتابة، وهذا ما قاله: «في تجربتي مع ورشة للكتابة الدرامية، وجدتُ أنّ المسرح مختلف عن الرواية. فالدراما لا يمكن أن تُكتب دون اِستيعاب أدواتها بدقة، لأنّها فنٌ مُؤسّسٌ منذ قرون، وتبنى عليه النصوص المسرحية الكلاسيكية وحتّى السّينمائية والتلفزيونية. هنا تكون الأدوات صارمة، أمّا العُمق والأسلوب فمتروكان للكاتب».
مُضيفًا: «لا أعتقد أنّ الورشات الإلكترونية أكثر فائدة من الحضورية. في النهاية، المسألة لا تتعلق بوسيط التعليم بقدر ما تتعلق بالسؤال: هل تُؤهلك معرفة الأدوات الروائية إلى كتابة رواية مُميزة؟ إجابتي: معرفة الأدوات ضرورية، لكنها وحدها لا تكفي. على الكاتب أن يعي تاريخ وفلسفة الفن الّذي اِختاره، ولماذا اِختاره دون غيره. كما يجب أن ينفتح على النقد، ويقرأ نصوص السابقين، ويستوعب ثقافة البلد الّذي يعيش فيه».
مُؤكدًا في المُقابل أنّ الرواية في جوهرها، ليست مجرّد تقنية، بل هي معرفة بالحياة واِتخاذ موقف تجاهها. بعدها تصبح مسألة تعلم الأدوات يسيرة، سواءً في ورشات حضورية أو إلكترونية.
واختتمَ بقوله: «صرنا مُؤخرًا نشهد إقبالاً غير صحي على الرواية، تُشجعها دكاكين نشر اِنتهازية لا ترى سوى ما يدفعه الشخص ليشتري لقب روائي، فصرنا نقرأ على أغلفة كُتُب على أنّها روايات وهي غير ذلك تمامًا، بل المُدهش أنّ بعضهم أصبحَ يُنظّم ورشات لتعليم الكتابة. وهنا أطرحُ السؤال: من أين تأتي هذه الجرأة؟».

* الروائي والكاتب المسرحي محمّد الأمين بن ربيع
الـورش ليســت عصًــا سحريــــة لتحويـــل أي شخـص إلى كــاتب بــارع لكنهــــا تُمهـــد الطريـــــق
يقول الروائي والكاتب المسرحي محمّد الأمين بن ربيع، من جهته: «سابقًا كان الكاتب أو المبدع في مجال من مجالات الكتابة الإبداعية هو من يمتلك الموهبة ويعمل على صقلها بالمُطالعة والتدريب والمحاولات الجادة والاِنفتاح على النقد وتقبل الآراء والقراءات التي من شأنها الاِرتقاء بموهبته وجعلها أكثر توهجًا وتألقًا، أمّا مُؤخرًا فقد اِنتشرت الورش التي تُساعد أصحاب المواهب وحتّى من هم دون موهبة على خوض غمار الكتابة».
مُضيفًا في ذات المعطى: «وقد صار هؤلاء وأولئك يسعون للتسجيل في ورش يُؤطرها كُتّاب مُعروفون بكتاباتهم سواء في مجال الرواية أو القصة أو حتّى النص المسرحي، ولم نلبث أن شهدنا أثناء فترة الحجر الصحي بسبب اِنتشار الكوفيد وما بعدها اِنتشارًا واسعًا للورش الاِلكترونية، وهكذا لم تعد الكتابة الأدبيّة حكرًا على من يحضرون الورش التّقليديّة في قاعات مُغلقة أو المقاهي الثّقافيّة. خاصّةً مع اِنتشار المنصّات الرقميّة، إذ صار بإمكان الكاتب، أينما كان، أن ينضم إلى ورشة إبداعيّة وهو جالس أمام شاشة حاسوبه أو هاتفه، يُتابع مُؤطرًا يُحدِّثه عن تقنيّات الكتابة، وكيف بإمكانه تطوير موهبته من أجل إبداع نص أدبي».
مُؤكدًا في هذا السّياق، أنّ هذه الورشات الإلكترونية، التي اِنتشرت في السنوات الأخيرة، تَعِدُ بفتح أبواب واسعة أمام الهواة والمُتمرسين، لكنها تطرح أيضًا أسئلة حول جدواها وإذا كانت تُساهم في تكوين كاتب مُبدع.
ثم أردفَ قائلاً: «إنّ ما تمنحه هذه الورشات يتجاوز مجرّد التعليم عن بُعد. فهي تُكسر الحواجز الجغرافية، وتُتيحُ للمُشارك التواصل مع مُدربين محترفين وأصوات مُتنوعة، ما يُثري التجربة ويُغذي الخيال. كما تُقدم، في أفضل نماذجها، مناهج منظمة لتعليم تقنيات السّرد وبناء الشخصيات وصياغة الحوار، بالإضافة إلى أسرار الحبكة. وقد كانت لي تجارب عِدة في تأطير مثل هذه الورش ولاحظتُ إقبالاً واسعًا عليها، حتّى من باب الفضول أو الرغبة في مُجاراة الرائج بين النّاس».
لكن ما يجب الإقرار به -حسب رأي المُتحدّث- هو أنّ غياب اللقاء المُباشر قد يُضعف من حرارة التفاعل، ويجعل الحافز أقل قوّة مِمَّا هو عليه في الورش الحضورية.
كذلك -حسب رأيه دائمًا- تتفاوت جودة هذه الورش تفاوتًا كبيرًا؛ فبينما يُدار بعضها باِحترافية وشغف إذ يطلب المُؤطر من المُتكونين لديه إنجاز تطبيقات، ثم يقيمها ويصوبها، يكتفي البعض الآخر بتقديم التوجيهات لا أكثر، تاركًا المُشارك بلا أدوات كافية.يُضاف إلى ذلك -يقول بن ربيع- أنّ الاِنضباط الذاتي يصبحُ شرطًا أساسيًا؛ فغياب الإطار المكاني الصارم يُسهل الاِنسحاب أو التهاون أو عدم التعامل بجدية مع الورشة. ومُستدركًا يُضيف: «مع ذلك، يمكن لهذه الورش، إذا أُحْسِنَ اِختيارها وأُديرت بكفاءة، أن تكون أداة فعّالة لتطوير المهارات الإبداعية. نجاح التجربة يتوقفُ على ثلاثة عناصر: خبرة المُدرب وقدرته على الإلهام، تفاعل المُشاركين بصدق واِنفتاح، واِلتزام الفرد بالمُمارسة المُستمرة خارج أوقات الورشة. فهي ليست عصًا سحرية لتحويل أي شخص إلى كاتب بارع، لكنها بلا شك تُمهد الطريق، وتختصرُ الكثير من محاولات التجريب العشوائي».
في الأخير خلص إلى القول: «المُستقبل قد يشهد تحوّل هذه الورش إلى القاعدة، خاصّةً مع تعاظم التعليم الرقمي، فيما تصبح الورش الحضورية ترفًا أو اِستثناءً. لكن يظل جوهر هذه الورش هو الحفاظ على الروح الحية للإبداع: الصدق مع الذات، الشغف بالكتابة، والبحث الدائم عن الجمال، سواء كُنا نتشارك النصوص في غرفة، أو في/من خلال نافذة صغيرة على منصة إِلكترونية».

* الروائية والمترجمة أمل بوشارب
الموهبـــــة هبــــة ربانيّــــة لا تمنحهـــــا الــــدورات التدريبيــــــــة!
تقول الروائية والمُترجمة أمل بوشارب (المقيمة في إيطاليا): «الكتابة الإبداعية مثلها مثل أي تعبير فني آخر؛ أي أنها حرفة لها قواعد يمكن تعلّمها وتعليمها؛ وتمرير مهاراتها مُمكنٌ تمامًا كأي فن آخر كالرسم والنحت والموسيقى... فنحنُ أمام عملية ذات خطوات قابلة للتعلم، لا يتحكم فيها الإلهام، بل الشغف والاِنضباط».
ثم أردفت: «ومِمَّا لا شك فيه أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً تُعد المصنع الرئيسي للأدب في العالم حاليًا، ونقطة القوّة الأمريكية في مجالات الإبداع عامة هي (الدورات التدريبية)، إذ تنتشر لكلّ حرفة آلاف المدارس. وللكتابة الإبداعية تحديدًا تُعقدُ كلّ سنة آلاف الدورات التّدريبيّة وهو ما وضع المدرسة الأمريكية في الريادة في هذا الفن creative writing، وجعلها تتربعُ على عرش الكتابة تقريبًا بلا منازع طيلة عقود».
وفي ذات المعطى تُضيف: «ما تقوم به الدورات التّدريبيّة الناجحة ببساطة هو مد المُتدربين بأدوات تجعلهم قادرين على اِكتساب مهارتين أساسيتين هما: تحليل النصوص وإعادة الكتابة، وهما مهاراتان أصيلتان لدى الكُتّاب المُخضرمين، ولبلوغ هذا الهدف تُعَدُ المكتبة من أهم المرافق للخروج بالنتائج التّدريبيّة المُثلى لهذه الدورات. أي باِختصار هذه الدورات تعلمك: القراءة بذكاء والتفاعل الإيجابي مع النصوص».
وتذهب بوشارب إلى تأكيد محورية وأهمية هذه الدورات، وهي تقول: «الحقيقة أنّ دورات الكتابة الإبداعيّة الناجحة مُصمّمة لمُرافقة المُتدربين على تكثيف مسار محوري لا بدّ أن يمر به كلّ كاتب حقيقي، وهي دراسة النصوص الكلاسيكيّة والتدرب على محاكاة نماذج معيارية في الأدب».وهُنا تستدرك بنوع من التوضيح: «ولكن هل هذا يعني أنّ نتاج الدورات التّدريبيّة سيكون أدبا نمطيا وكُتّابا يكتبون بطريقة نموذجية مُوحدة؟ ليسَ بالضرورة، بل سنكون أمام كُتّاب يتقنون أساسيّات فن السّرد مثلاً، ويعرفون قواعده وهنا تنتهي مهمّة الدورة. ليأتي بعدها دور المُتدرب؛ فبعد إلمامه بقواعد هذا الفن يستطيع الاِنطلاق في مساره من خلال التجريب، وإيجاد أسلوبه الخاص وصوته المُميز».
وفي ذات الفكرة تُضيف: «لكن من غير المنطقي الاِنطلاق بكتابات (تجديدية) دون أن يعرف أصحابها (أصول) الكتابة أوّلاً، وعندما تظهر عيوبٌ في الحبكة أو رسم الشخصيات لدى هؤلاء يعزونها للرغبة في التمرد على التقاليد الروائية، والحقيقة أنّنا لا نكون سوى أمام عجز على الكتابة، وحالة تُسمى ببساطة في العرف الفني: الرداءة».
ومثال الشِّعر هُنا -كما تُشير المُتحدّثة- أكثر بديهية، فالكثير يزعمون أنهم يتمردون على الوزن بكتابة الشِّعر الحر على اِعتبار أنهم فلاسفة شِعر ثوريين ناقمين على التقاليد، في حين أنهم ببساطة لا يُميّزون أصلاً الأوزان الشِّعريّة، ولا يملكون أساسًا (أذنا موسيقية) تُخوّلهم نظم أي شيء. والسؤال هو: كيفَ يمكن لشخص ما أن يكسر قاعدة هو لا يعرفها؟!
لذا –تجيب بوشارب-: «فلنعتبر دورات أو ورشات الكتابة الإبداعية هذه أرضية يمكن للكاتب الشاب أن ينطلق منها من أجل الإلمام بأساسيّات هذا الفن، قد تخرج لنا مبدعين حقيقيين بعدها، كما قد لا تخرج. لأنّه ليس أي شخص يدرس الصولفيج ويتعلم العزف على البيانو سيصبح تشايكوفسكي. كما أنّ ليس كلّ شخص يتعلم تقنيات السّرد سيصبح بالضرورة دوستويفسكي».
وهُنا -اِختتمت بقولها-: «علينا أن نُسلم بوجود شيء اِسمه الموهبة، وهي في أقصى حالاتها العبقرية، وهذه سمة اِستثنائية لا تُكتسب، ولا تمنحها لك أي دورة تدريبية وإنّما ببساطة هبة ربانية قد تولد كما قد لا تولد بها!».

* الناقدة والباحثة منى صريفق
معظــــم الورشـــات تُقدم تعريفـــات جاهــزة لكلّ المفاهيـــم التّأسيسيّــــة لتجربـــة الكاتــب
تقول الناقدة والباحثة الدكتورة منى صريفق في هذا الشأن إن العالم «شهد تطوّرًا مهولاً في بدايات القرن الواحد والعشرين وذلك لاِتصاله بعوالم الإنترنت والجيل الجديد الّذي أصبح يُؤسسُ لنفسه تقاليد جديدة تختلفُ كليًا عن تلك التقاليد السابقة التي أصبحت تُصَنَفُ الآن ضمن ما يُعرف بكلاسيكيات الزمن الماضي».
ثم تُضيف: «هذا الخلق الجديد لأنماط التفكير ضِمْنَ مُختلف المجالات قَدَمَ للمجتمع مجموعة لا مُنْتَهية من الطرائق المُعتمدة في التعلم، بالإضافة إلى أنّ العالم قد تَعَرَضَ للكثير من الأحداث التي ساهمت في بلورة هذه القيم الجديدة بطريقة مُريحة تتواءم بشكلٍ مُثير للإعجاب عِند البعض لتُثير سخط البعض الآخر. فأزمة كوفيد19 مثلاً خلقت اِستنفارًا عالميًا في مدى قدرة الإنسان على البقاء مرنًا مع مُختلف التغيرات العالمية؛ وهذا ما جعل فكرة التعلم والتعليم ضمن ورشات إلكترونية مُنتشرة بشكلٍ غير مسبوق». وفي ذات السّياق تواصل: «الظاهرة صحيّة للغاية؛ فهو زمن الشبكة العنكبوتيّة التي لا تُهادن ولا تهدأ لثانية واحدة، كلّ المعطيات أصبحت تُعَالج ضمن وتيرة زمنيّة قياسيّة. وأصبح المُولع بالأدب والإبداع كذلك يريدُ الاِستفادة من هذه المعطيات بشكلٍ يخدم رغباته وتوجهاته الكتابيّة/الإبداعيّة».وهُنا أردفت وهي تتساءل: «إنّ الورشات الإلكترونيّة الأدبيّة وكذا المنصّات الرقميّة التي أصبحت تتعامل مع أسئلة ومفاهيم وجوديّة بطريقة رقميّة تجعلنا نطرح الأسئلة التّاليّة لنُعيد التّأسيس لهذه المفاهيم في هذا الزمن الرقمي. ماذا تعني كلمة كاتب/ مُبدع؟ وما هو الإبداع أو بالأحرى التجربة الإبداعيّة؟ وهل تتغير المفاهيم الراسخة بتغير العصر والحيثيّات المُصاحبة للتجربة؟».
وهنا تستدرك قائلة: «في الحقيقة رؤيتنا لهذه المفاهيم تبقى راسخة، فالكاتب ليس مجرّد شخص ناقل للمعلومات، بل هو كينونة تختزل لنا التجربة الإنسانية، إنّه من يُمارس نوعًا من الوعي والتّأويل اللذين يفسران العالم والواقع».
وهذا الأمر -حسب رأيها- لن يتحقّق إلاّ إذا كان هذا الكاتب فنانًا، يعي جيّدًا أنّ فكره لا يعني فقط إنتاج جماليات معينة، بل في طرحه لأسئلة تتوازى وقيمة الوجود، الحقيقة والمعنى، والعاطفة. لتصبح التجربة الإبداعيّة عبارة عن سيرورة لا تنقطع أو تُمارس فقط أثناء فراغ الشخص من أعماله اليوميّة، أو من أعبائه النفسيّة.
ثم تُواصل في ذات المعطى: «أن تعيش مُبدعًا فنانًا فهو أن تُحوِّل كلّ معطيات الحياة إلى نص يُخلد وجوده بين آلاف النصوص التي نراها الآن تغرق في التشابه واِنعدام الجرأة في الطرح. تخيلوا معي على سبيل المثال كاتبًا لا يستطيع التعبير عن نفسه! فهل تُفيدهُ هذه الورشات؟».
وهنا تُضيف: «أعتقد أنّه يجب على أي شخص يجد في نفسه الرغبة والقدرة في الكتابة الإبداعية، أن يجيب عن هذه الأسئلة بطريقة حاسمة للغاية؛ وألاّ يقبل على نفسه تبني نماذج حاضرة وأفكار مُصنعة من قبل. فالمُفارقة التي نجدها في الواقع عبر هذه الورشات المُقدمة هي كونها تُقدم تعريفات جاهزة لكلّ هذه المفاهيم التّأسيسيّة لتجربة الكاتب/ الفنان. وهذا الأمر مرفوض في رأينا، فنحن نُشجع الورشات الإلكترونيّة والمنصّات الرقميّة التي تنتهج أسلوبًا عميقًا في تقديم المعطيات، وشرح الأمور التي يجهلها الكاتب كبناء النص وأهم مُقومات النص الإبداعي من منظور العديد من الكُتّاب المُشاركين فيها. فيجد الكاتب/ الفنان نفسه أمام تجربة جماليّة مليئة بالزخم الفكري».إلاّ أنّ هذه التجربة -كما تُضيف الدكتورة صريفق وحسب رأيها دائمًا- تعتمدُ اِعتمادًا كليًا على مدى وعي وشغف الكاتب الّذي يختار هذه الطريقة للاِستزادة. ومعرفته القارة أنّ كلّ الورشات التي يحضرها هي حضور تقني يُؤسس لأهم عناصر بناء العمل الإبداعي فقط. فالأسلوب والتفكير والإلهام، واستشعاره لمعطيات الحياة يختلف من مبدع إلى آخر، وهذا الأمر أبدًا لن يتعلمه من هذه الورشات.
إذ تؤكد في الأخير، على هذا الرأي: «إنّها في نظرنا عنصر مُساعد من بين العديد من العناصر المُساعدة الأخرى، كالقراءة والبحث الذاتي لمسارات المعنى وجماليات تُؤثّث دواخل الكاتب اِنطلاقًا من حساسيّته وذائقته هو لا أحد غيره».

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com