أكد المختص في تاريخ الثورة الجزائرية محمد القورصو في حديث خص به "النصر" بأن مؤتمر الصومام المنعقد يوم 20 أوت 1956، كان محطة لبناء الثورة التحريرية وتمتين الروابط بين قادتها، ومحطة هامة لتقييم سنتين من الكفاح والنضال، ولتجاوز الخلافات وتوحيد التصور حول سبل تحقيق الاستقلال.
ويضيف المتدخل بأن المؤتمر انعقد في وقت كانت كل ولاية بمثابة جمهورية مستقلة عن الأخرى، الأمر الذي كان سيضر بمسار الثورة، فكان مؤتمر الصومام فرصة سانحة لتنظيم عدة أمور، وتفكيك الروابط التي كانت موجودة آنذاك، لإعادة بناء روابط جديدة بين مجموعة من المجاهدين الذين حضروا المؤتمر، ومن بينهم من استشهد فيما بعد ومن ألقي القبض عليهم، قائمة على التوافق والإجماع.
فقد كانت وثيقة مؤتمر الصومام رابطا متينا بين صناع الثورة المجيدة، لأنها عملت على بناء الثورة وليس إعادتها، مع إعطاء تصور ميداني لها انطلاقا من بيان أول نوفمبر، ومن أهم المعطيات المترتبة عن هذا الحدث التاريخي الهام، يقول المؤرخ محمد القورصو، هو أن مؤتمر الصومام فتح الباب واسعا أمام كافة القوى التي أراد البعض إقصاءها من صفوف الثورة، فقد كان بعض القادة السامين من المعارضين للفكرة.
ويضيف المتدخل بأن الثورة التحريرية لم تكن حكرا على مجموعة أو اسم محدد، وهي انطلقت لتفتح ذراعيها للمجتمع كافة ليتكفل بها ويتغذى منها ويغذيها، وهو ما تحقق ميدانيا، ذلك أن أسماء لامعة كانت توصف بالاندماجية والإصلاحية التحقت بصفوف الثورة بعد المؤتمر، قائلا "لقد كانت قبل هذه المحطة التاريخية الهامة تحمل روحا وطنية غير ثورية، وأصبحت فيما بعد ذات بعد ثوري".
ويؤكد المختص في تاريخ الثورة التحريرية بأن هناك من كان ينادي بالإصلاحات قبل المؤتمر، وكان ذلك من الضربات التي استهدفت الثورة، وأن مؤتمر الصومام سمح بتجاوز بعض الأنانيات التي كانت تحصر الثورة في فئة جد ضيقة، وكان ضربة قوية لفرنسا الكلونيالية، بعد اندماج مختلف القوى لتشكل وقودا للثورة التحريرية.
ويرى بأن الثورة التحريرية كانت قبيل انعقاد هذا اللقاء التاريخي الهام في منعرج خطير، فإما أن تتسع لتغزو الفضاءات المختلفة، وأن تؤدي إلى التحام الشعب الجزائري لتحقيق السيادة والاستقلال، وإما أن تتجه إلى عكس ذلك.
ويعتقد في هذا السياق الدكتور محمد القورصو بأن القادة الثوريين كان لديهم تصور دقيق وورقة طريق واضحة المعالم، وبعد نظر وقراءة ميدانية للواقع الذي كانت تعيشه البلاد إبان تلك الحقبة التاريخية الفاصلة، ولم يكن الوضع مختصرا في "كمشة" من المجاهدين لقيادة ثورة بحجم الثورة المجيدة.
ويؤكد المتدخل بأن الأمر كان يتعلق بعمالقة وعباقرة يتميزون بسعة الصدر، وقدرة خارقة على تقبل الآخر والذهاب إليه، وفتح الأذرع له، مع الاستعداد التام لقبول الرأي المخالف، لأنه عندما تتفتح البصيرة يمكن للشخص أن يرتقي إلى مستوى عال من العطاء وتقبل الآخرين.
ويضيف المتحدث، بأن الحوار الذي دار بين الوفود المشاركة في مؤتمر الصومام كان فيه الكثير من الثراء والإجماع على تجنب الأخطاء بعد تقييم سنتين من مسار الثورة المجيدة، بفضل عبقرية هؤلاء القادة الثوريين، وقدرتهم على تجاوز الذات والجماعة.
هجمات الشمال القسنطيني نقلت الرعب والخوف إلى الطرف الآخر
ولدى تطرقه إلى هجمات الشمال القسنطيني التي وقعت سنة قبل انعقاد مؤتمر الصومام، وبالضبط في 20 أوت من سنة 1955، يقول المؤخر محمد القورصو بأن كلاما كثيرا دار حولها، فهناك من الباحثين والمهتمين بتاريخ الثورة التحريرية من انتقدها، لأن ردة الفعل الكولونيالية جراء هذه الأحداث كانت صادمة، وعبارة عن 8 ماي 45 مكرر، لا سيما وأن الشعب الجزائري كان متخوفا من أن تتكرر تلك الأحداث الأليمة.
ويعتقد الأستاذ في التاريخ بأن هناك من حكموا صوريا على هجمات الشمال القسنطيني من خلال الكلام والإدلاء بالآراء، لكن التاريخ حكم لصالح المخططين للهجمات، لأن الثورة تتغذى من الدروس، وكان أول وأهم درس حققته هذه الأحداث، هو إما أن يتبنى الشعب الجزائري الثورة ويلتحق بها أو لا يتبناها.
ويقول المصدر بأنه كان لابد من القيام بعمليات انتحارية وهجمات ضد القوة الاستعمارية، وقرار زيغود يوسف والجماعة التي كانت بجانبه كان بالفعل انتحاريا، كما كان 1 نوفمبر عملا انتحاريا أيضا، والنتيجة المحققة أن الثورة المجيدة أصبحت واقعا، فإما أن نلتحق بها أو نكون ضدها، دون إمكانية الوقوف في الوسط بين هذين الخيارين.
ويضيف الأستاذ في التاريخ بأن النتيجة الخفية لهجمات الشمال القسنطيني بروز فكرة مغادرة الجزائر لدى الكولون، بعد انتقال الرعب والخوف إلى الطرف الآخر، بفضل الانتصار الكبير الذي حققته تلك الأحداث التي أدخلت الخوف و الرعب لدى المستعمر، وكان ذلك من بين الأهداف الرئيسية لهجمات الشمال القسنطيني.
وحث في هذا السياق المؤرخ محمد القورصو الأطراف التي انتقدت هذه الهجمات على ضرورة الرجوع إلى السياق التاريخي، لأنه من السهل جدا الحكم على فلان بالخيانة ونحن ننعم اليوم بالاستقلال، كما أن ممن يعتمد في تحاليله على التقارير المضادة الموجودة في الأرشيف الفرنسي.
ويضيف المتحدث بأن الخلافات بين القادة أمر جد طبيعي، وهذا هو التاريخ، ومسار مختلف الثورات العالمية، فالثورة الفرنسية ابتلعت صانعيها وآباءها ومنظريها، لكنها لم تفشل، والقطار لم يتوقف، وأن الغوص في البحث عن الأخطاء ليس منطقيا، فلا وجود لمن لا يخطئ أبدا
ويؤكد المصدر بأن السرعة التي كانت تسير بها الثورة التحريرية، لم تكن تمنح الوقت والفرصة لتقييم الأفعال والحكم على أصحابها، فالجميع كان يعيش في جهنم، لذلك فإن الأخطاء التي وقعت يجب تقييمها دون تضخيم ولا تخوين، ولا تزوير للماضي أو تحريف.
مؤتمر الصومام نقل المعركة إلى أرض العدو
ويضيف البروفيسور مصطفى عبيد من جامعة المسيلة، بأنه إذا كانت ثورة التحرير الجزائرية نموذج الثورات التحررية ورائدة الحركات التحررية المعاصرة، فإنها اكتسبت ذلك بفعل بطولاتها وخصائصها التي من بينها أنها الثورة الوحيدة التي نقلت أرض المعركة إلى أرض العدو وهو فرنسا.
وكانت الثورة الحركة التحررية الوحيدة التي واجهت الحلف الأطلسي بين 1958_ 1962، وأنها الوحيدة التي أسقطت الأنظمة والحكومات، حيث أسقطت الجمهورية الفرنسية الرابعة وعديد الحكومات الفرنسية، كما أنها الثورة الوحيدة التي جعلت فرنسا تعلن استقلال أكثر من عشر دول إفريقية في يوم واحد...
ولم يكن للثورة الجزائرية كل هذه المكانة لولا أحداثها الهامة التي نذكر من بينها أحداث 20 أوت 1955 التي قادها زيغود يوسف والتي أعلنت فيها فرنسا همجيتها تجاه الفلاحين العزل بسبب وقوفهم مع الثورة، من بينها مؤتمر الصومام الذي أعطى للثورة صيغتها العصرية، حيث نقلها من حرب تقليدية الى حرب عصرية منظمة، وجيش رسمي من خلال التنظيمات التي أدخلها.
كما عمل المؤتمر على تنظيم الثورة، فقسم الوطن إلى ست ولايات بدلا عن خمس مناطق، لكل ولايات حدودها ومناطقها ونواحيها، وقسم الجيش إلى رتب عسكرية حديثة من الجندي البسيط إلى العقيد.
لقد كانت تنظيمات مؤتمر الصومام مفتاح النصر في الثورة التحريرية، وكانت نتائجه عليها هامة جدا انتهت بتحقيق الاستقلال في الخامس من جويلية 1962، يؤكد البروفيسور مصطفى عبيد "للنصر".
لطيفة بلحاج