الخميس 21 أوت 2025 الموافق لـ 26 صفر 1447
Accueil Top Pub

شريط مجازر عين عبيد الذي فضح الاستعمار الفرنسي في الأمم المتحدة: هكذا نقلت الصحافة الدولية هجمات الشمال القسنطيني في 1955

لقيت هجمات الشمال القسنطيني التي قادها الشهيد زيغود يوسف صدى عالميا في الصحافة العربية والدولية خلال الأيام الموالية لوقوعها، حيث شكلت حدثا مفصليا في مسار الثورة التحريرية، إذ منحتها بعدا دوليا باعتبارها قضية تحرر من الاستعمار الفرنسي، فضلا عن أنها قادت إلى تسجيل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة، بعدما فضحت التغطية الإعلامية للمجازر التي ارتكبت في حق الجزائريين العزل في عين عبيد بقسنطينة السرديات الكاذبة للاستعمار الفرنسي وأفشلت محاولاته في التعتيم عليها. النصر قامت في هذا الاستطلاع بتتبع مجموعة من المقالات والمواد الخبرية الصادرة في الصحف العالمية خلال الأيام الموالية لهجمات 20 أوت 1955، وذلك بالاعتماد على أرشيف الجرائد المتوفر عبر الانترنيت، حيث تبرز الطريقة التي نقلت بها الأحداث.

جمعها: سامي حباطي

وانطلقت رحلتنا في البحث عن أصداء هجمات الشمال القسنطيني التي قادها زيغود يوسف في 20 أوت من عام 1955 في الصحافة العالمية، من أرشيف الصحف والمجلات العربية التي كانت تصدر خلال تلك الفترة، حيث وجدنا في عدد شهر أكتوبر من عام 1955 من مجلة "الأديب" اللبنانية في الصفحة الأخيرة خبرا صغيرا حول وقوع "اشتباكات بين القوات الفرنسية والوطنيين في الجزائر"، لكن دون تفاصيل. ولم نتمكن من الوصول إلى عدد كبير من أرشيف الجرائد والمجلات العربية لعدم وفرتها في الانترنيت، إلا أن العديد من المراجع تؤكد أن الصحف العربية أولت اهتماما واسعا بهجمات الشمال القسنطيني التي قادها الشهيد زيغود يوسف، إذ أحدثت صدى واسعا وأخرجت الثورة التحريرية من محيط ضيق إلى بعد عالمي لتسجل اسمها في حركة إنهاء الاستعمار العالمية التي كان يعيشها العالم في تلك الفترة.
أصداء قوية في الصحافة الأمريكية والبريطانية لهجمات الشمال القسنطيني
أما في الصحافة الغربية، فتبرز مواكبة جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية لهذا الحدث من خلال مجموعة من الأخبار التي نشرتها حول هجمات الشمال القسنطيني، حيث نجد عدة مقالات للصحفي هنري جينيجرز Henry Ginigers تتابع الأحداث وتربطها بالأحداث التي كانت تواجهها فرنسا الاستعمارية في دول أخرى من شمال إفريقيا، وهذا ما تعكسه العناوين المختلفة التي اختارتها الجريدة حول الموضوع، على غرار المقال المنشور في 28 أوت 1955 بعنوان "الثورات تزعزع الفرنسيين بقوة في إفريقيا" "French Badly Shaken by Revolts In North Africa"، كما نلاحظ في مقال آخر أن "نيويورك تايمز" تحدثت في بداية سبتمبر 1955 عن تعزيز الاستعمار الفرنسي لقواته العسكرية في الجزائر وعدد كبير من المقالات الأخرى التي أفردتها لنقل تبعات هجمات الشمال القسنطيني والأحداث الأخرى التي كانت تنذر بزوال الاستعمار الفرنسي.

واطلعنا في جريدة "دايلي ووركر" "The Daily Worker" اليسارية الأمريكية التي كانت تصدر في شيكاغو من 1924 إلى 1958، على خبر منشور في عددها الصادر بتاريخ 22 أوت 1955، إذ تتطرق فيه إلى هجمات الشمال القسنطيني مستندة إلى ما ورد في برقية لوكالة الأنباء الفرنسية "أ ف ب" حول "مقتل 549 جزائريا في مقاطعة قسنطينة بالجزائر بعد الهجوم على القوات الفرنسية في 14 مدينة وقرية إستراتيجية"، في مقابل نقلها عن وكالة الأنباء الفرنسية أن 69 فرنسيا قتلوا في الهجمات، لكن الواضح أن هذه الصحف لم تكن متحررة من الدعاية الاستعمارية، خصوصا في بداية اهتمامها بالثورة الجزائرية، إذ كانت تعتمد على الأخبار المنحازة التي تنقلها الصحف الفرنسية أو وكالة الأنباء الفرنسية، وهو ما يبرز في المصطلحات المغالطة التي كانت تتبناها في وصف الثورة التحريرية.
ويبدو من خلال ما اطلعنا عليه أن هذه الجرائد لم تكن متجردة في تأييدها للسردية الفرنسية الاستعمارية في الأيام الأولى من تغطيتها للأحداث، فقد بينت ورقة بحثية أعدها الباحث رضا بن عتو من جامعة جيجل حول تغطية جريدة "نيويورك تايمز" لهجمات الشمال القسنطيني أن تحليلات الجريدة للمشهد الذي أفرزته هجمات 20 أوت 1955 تنوعت واختلفت، بحيث كانت تتأرجح بين الوقوف في الصف الفرنسي، وبين اعتبار الأخطاء الفرنسية في الجزائر سببا في وقوع الهجمات، لكن الباحث يؤكد أن مضمون تغطيتها آنذاك يبرز أنها كانت تتماشى مع الطرح الاستعماري الفرنسي في وصفها للثورة الجزائرية. ورغم ذلك، فإن الاهتمام الذي أفردته هذه الجرائد لهجمات الشمال القسنطيني يبرز أهميتها وتحقيقها لهدفها الرئيسي في فك الخناق عن الثورة التحريرية ومنحها صوتا عالميا بعد عام من اندلاعها في 1 نوفمبر 1954.
ووجدنا أيضا من خلال بوابة البحث في أرشيف الصحف البريطانية العديد من المقالات الخبرية التي تطرقت إلى هجمات الشمال القسنطيني، على غرار مقال منشور في جريدة "صنداي أكبرس" "Sunday Express" بتاريخ 21 أوت 1955، بالإضافة إلى مقال خبري آخر يتطرق إلى هجمات الشمال القسنطيني في جريدة "ستافورد شاير سانتينل" "Staffordshire Sentinel" بتاريخ 22 أوت 1955، كما يلاحظ من خلال البوابة وجود عدد كبير من مقالات أرشيف الجرائد التي تنقل خبر الهجمات التي نفذها جيش التحرير ضد القوات الاستعمارية، لكن طريقة نقلها للخبر كانت تنطوي على تحيز كبير للسردية الاستعمارية، رغم أنها كانت تخصص لها مساحات مهمة من صفحاتها.
ويلاحظ أن الجريدة البريطانية "ذا بيرمنغهام بوست" "The Birmingham Post" قد نشرت أخبار هجمات الشمال القسنطيني أيضا، حيث لم تختلف تغطيتها كثيرا عن بقية الجرائد الغربية، لكن الاهتمام الكبير بالحدث يعكس الصدى الذي حققه على المستوى العالمي، حيث ذكرت في عددها ليوم 22 أوت 1955 تفاصيل من الأحداث، مع ما يبدو تباينا في أرقام الضحايا وعدد الهجمات مقارنة بما اطلعنا عليه في صحف أخرى، لكنها كانت تركز أيضا على السردية الاستعمارية بشأن "استعادة التحكم في الوضع" في الجزائر.
شريط عين عبيد الذي عرّى الرواية الاستعمارية للأحداث
ورغم محاولات تشويه الحقيقة التي مارستها السلطات الاستعمارية في أعقاب هجمات الشمال القسنطيني، حيث تبرز انعكاساتها من خلال التغطية الصحفية للجرائد العالمية آنذاك، إلا أن الرواية الاستعمارية قد فضحت من خلال الشريط الوثائقي الذي أنجزه جورج شاسان Georges Chassagne لصالح "فوكس موفي تون" الأمريكية، حيث نشرت مجلة "لايف" Life Magzine الأمريكية صور المجزرة التي نفذها الاستعمار في عين عبيد في عددها الصادر بتاريخ 5 سبتمبر 1955.
وتعود قصة هذا الشريط الوثائقي إلى يوم 22 أوت 1955 بمنطقة عين عبيد غير بعيد عن مدينة قسنطينة، حيث رافق عدد من الصحافيين، من بينهم المصور جورج شاسان، الحاكم العام للاستعمار الفرنسي جاك سوستيل في جولة ميدانية إلى غاية وادي زناتي في قالمة. وقد كان هدف الاستعمار منها الادعاء بأن الوضع تحت السيطرة بعد هجمات الشمال القسنطيني، لكن ما جرى كان مختلفا وانتهى بمفعول عكسي، فخلال الجولة، صُورت عمليات إعدام ميدانية لجزائريين من قبل الجنود الفرنسيين. لقد كانت المشاهد صادمة، إذ أظهرت رجلا جزائريا من البدو الرحل يخرج من خيمة رافعًا يديه ثم يُقتل برصاصة في الرأس، وآخر يُطلق عليه الرصاص في حقل، أما الثالث فقد بدا وكأنه مشهد مسرحي حين رمى قبعته في الهواء قبل أن يسقط قتيلًا. هذه الصور التقطها شاسان بكاميرا شركة "فوكس موفي تون" أمام جمع من الصحافيين.
ولم تعرض هذه اللقطات في فرنسا، إذ استبعدتها مكاتب الأخبار في باريس من النشرات، لكنها بُثت في الولايات المتحدة، ووصلت إلى الأمم المتحدة حيث كانت القضية الجزائرية قيد النقاش. كما نشرتها مجلة "لايف" الأميركية، ما أحدث صدمة في الرأي العام وأحرج السلطات الاستعمارية بشكل كبير. وأمام هذا الوضع، وُجّهت لشاسان اتهامات بالتلاعب، حيث زعمت السلطات أن ما صوّره لم يكن "إعدامات حقيقية" بل "مشاهد مُرتبة" ومصطنعة، كما اعتبروا أن الجنود تلقوا أجرا للتمثيل. وأُثير جدل واسع حول موثوقية الصور وحقيقتها، مما جعلها جزءًا من النقاش حول استخدام الصورة في الحرب الاستعمارية.

وقادنا بحثنا عن عدد مجلة "لايف" الأمريكية الصادر بتاريخ 5 سبتمبر 1955 من خلال المنصات التي ينشر فيها هواة جمع الأرشيف نسخا من الجرائد والمجلات القديمة، حيث وجدنا فيه جزءا من التوثيق المصور الذي أنجزه المُصور المذكور حول جانب من المجازر المروعة التي ارتكبها الاستعمار في أعقاب هجمات الشمال القسنطيني، حيث نشرت المجلة ابتداء من الصفحة 13 من عددها صورا ومقاطع للتعليق عليها بعنوان "شريط من الرعب في شمال إفريقيا" "A trail of Terror in North Africa"، كما لم تفرد تلك المساحة لما وقع في الشمال القسنطيني فقط، وإنما ذكرت فيها عددا من الأحداث التي وقعت في مناطق أخرى كانت مستعمرة من قبل فرنسا في شمال إفريقيا وتصادف أن تزامنت فيها الأحداث ضد الاستعمار.
ويظهر في هذا العدد مشهد جندي فرنسي يطلق النار من الخلف على جزائري في عين عبيد دون أن يحمل الجزائري أي سلاح معه واكتفى برمي قبعته في الهواء عندما أطلق عليه الجندي الفرنسي النار، حيث أخذت هذه الصورة من المشاهد التي التقطها شاسان للجنود الفرنسيين وهم يطلقون النار على رجل أعزل من البدو الرحل يهم بمغادرة خيمته ومشاهد لإطلاق النار على المارة وأشخاص في الطرقات، بالإضافة إلى العشرات من الجثث الملقاة في الطرقات، مثلما عرضتها "فوكس موفي تون" آنذاك.

وقد اتخذت قضية شاسان مسارا كابوسيا إذ اتهم من الحكومة الاستعمارية بالتواطؤ ضد فرنسا في مؤامرة من الخارج بسبب تلك المقاطع المصورة في عين عبيد، حيث جاء ذلك على خلفية إعادة نشر صور الإعدامات للجزائريين في عين عبيد من قبل جريدة "ليكسبراس" "L'Express" الفرنسية في عددها الصادر في 29 ديسمبر 1955 بعنوان "أحداث مأساوية يجب معرفتها" ، في قلب حملة الانتخابات التشريعية في فرنسا آنذاك، ما جعل القضية تتحول إلى فضيحة مدوية، فيما تمسكت الحكومة الفرنسية حينها بروايتها الكاذبة بشأن "فبركة" المقاطع موجهة جميع أصابع الاتهام للمصور والشركة الأمريكية التي يعمل لصالحها.
وردت شركة "فوكس" الأمريكية على أكاذيب الحكومة الفرنسية بعقد ندوة صحفية في 31 ديسمبر 1955 نشطها المصور شاسان وبيّن فيها جميع تفاصيل التقاط المشاهد في عين عبيد والظروف التي جرت فيها، حيث لقي دعما من زملاء صحفيين وسينمائيين، على غرار المخرج روني فوتيي René Vautier، بينما قادت هذه المشاهد إلى تحرك مجموعة الدول العربية والآسيوية في الأمم المتحدة لتسجيل القضية الجزائرية في 30 سبتمبر من عام 1955 مباشرة بعد عرض الشريط الذي يظهر المجازر في عين عبيد في الولايات المتحدة. واطلعنا على شريط الندوة الصحفية التي نشطها جورج شاسان لتوضيح ظروف التقاط المشاهد في عين عبيد، حيث قال فيها إنه التقط مشاهد القتل المرتكبة من قبل الجنود الاستعماريين كصحفي دون أي تزييف، واصفا الاتهامات الموجهة إليه بالفاضحة. س.ح

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com