بتاريخ 24 أوت 1955، سقط ببلدية عين عبيد بقسنطينة، واحد من الرجال الذين واجهوا فرنسا بسلاح العلم، فالشهيد سي الدراجي بن شيخة، كان معلما للقرآن أفنى سنواته في محاربة الجهل الذي فرضه المستعمر على أبناء المنطقة والوطن عموما، وقد راح ضحية لهمجية المعمرين الذين قاموا بردود فعل عنيفة بعد هجمات الشمال القسنطيني.
عرفت تلك الحوادث الدموية سقوط 743 شهيدا خلال أيام قليلة، بعدما أعطى الحاكم العام للجزائر جاك سوستال، الضوء الأخضر لانتقام من الجزائريين العزل، بمن فيهم أهالي عين عبيد التي زارها يوم 21 أوت 1955 واستقبله المعمرون باكين في اليوم الموالي للهجمات الثورية التي أسفرت عن سقوط 7 قتلى منهم.
مجزرة تحت شعار « صيد العرب»
وقد تسبب الحقد الذي ولدته هجمات الشمال القسنطيني، في مجزرة ضد الجزائريين بعين عبيد، ارتكبها فرنسيون تحت شعار «صيد العرب».
وكان صحفي من الأقدام السوداء يدعى جورج شاسان، قد وثق بعدسته صور القتل والتنكيل، ومن أشهر لقطاته الشاهدة على تلك المأساة صورة الرجل الذي يعدم وهو رافع يديه أمام خيمته.
ورغم أن ألبوم المجزرة لم يتضمن صورة مباشرة للشهيد الحاج سي الدراجي بن شيخة، إلا أن الذاكرة الجمعية في المنطقة حفظت قصته ونقلتها للأجيال، خصوصا وأن الرجل الذي ولد في 15 مارس 1914 بعين عبيد، كان من حفظة القرآن وخريجي جامع الزيتونة، وقد انشغل طوال حياته بتعليم النشء ومحاربة الجهل وهو ما قلده مكانة خاصة في قلوب السكان.
يروي للنصر، ابنه سي علاوة بن شيخة، تفاصيل مأساة إعدام والده قائلا :»كنت ابن الرابعة في ذلك الوقت، أذكر أننا كنا مجتمعين في البيت ملتفين حول والدتي، وكان الخوف سيد الموقف لأن أصوات الرصاص لم تتوقف».
يواصل:» عند الساعة منتصف النهار سمعنا طرقا قويا على الباب وبمجرد أن فتح والدي اختطفته الأيادي، سيق إلى الخارج وأعدم على بعد أمتار من البيت، أطلقوا رصاصة على رأسه وتركوه غارقا في دمه.» يسترسل واصفا: « تحت وطأة الصدمة خرجت أمي مسرعة واسترجعت محفظة أوراقه وساعة يده، فالمعمرون بعد الإعدام كانوا يجردون الشهداء مما يحملون من أموال وساعات وخواتم، وكانت تلك آخر لحظة رأت فيها زوجها وقد ظل ذلك الكابوس يطاردها إلى الأبد».
بأي ذنب قتل؟
يقول محدثنا، إن الشهيد أعدم دون تهمة أو محاكمة، رغم أنه كان معلما للقرآن و تاجرا لأعلاف الحيوانات، فقد اغتيل ظلما بدم بارد دون أن يرتكب أي جرم كما عبر، وهو أكثر ما يحز في النفس.
وحسب ابنه، فإن شبهته الوحيدة كانت أنه ابن منطقة انطلقت منها بعض هجمات الشمال القسنطيني يوم السبت 20 أوت 1955، والتي أطاحت بـسبعة أفراد من المعمرين، وراح مقابلهم 743 شهيدا من الجزائريين، وهي جريمة شنعاء تضاف إلى آلاف المجازر التي ارتكبتها فرنسا منذ أن دنست هذه الأرض أقدامها. وتعتبر قصة الشهيد، واحدة من الشواهد التي تحدثنا عن الظلم الذي عاشه الجزائريون في القرى والمداشر إبان الاحتلال، و المجازر التي أسقطتها الذاكرة و التي ارتكبها جيش العدو والمعمرون كذلك دون رقيب أو حسيب.
ص، رضوان