يُعتبر المجاهد حسيني إسماعيل المكنى «بزويش» شهيدا حيّا، ألقت فرنسا الاستعمارية عليه القبض مرتين وحكمت عليه بالإعدام مرتين، وشاءت الأقدار أن ينجح في الفرار لمرتين كذلك، شارك في صفوف جيش التحرير الوطني في عديد المعارك والعمليات الفدائية، وهو الذي استقرت في جسده نحو 35 طلقة رصاصة منها 14 رصاصة إبان العشرية السوداء وأصيب بنحو 29 إصابة في الثورة التحريرية المظفرة، الأمر الذي جعله عاجزا بحسب تقرير الطبيب الشرعي بنسبة 87 بالمائة.
حسيني إسماعيل ابن الشهيد بلقاسم الذي يقطن اليوم بحي حيحي المكي وسط مدينة عين البيضاء بأم البواقي، من مواليد 24 من شهر مارس لسنة 1936 بمسكيانة، يشير بأن كنيته الثورية «بزويش» وهي أول كنية بهذا الاسم في ثورة التحرير المظفرة، مشيرا بأنه من بين القلائل الذين مازالوا على قيد الحياة ضمن المجموعة التي أطلقت الرصاصة الأولى بمنطقة عين السيلان بخنشلة تحت قيادة الشهيد القائد عباس لغرور، وكان برفقته المجاهد الشريف بومعرافي وهو الذي توفي بعد الاستقلال وهو ابن مدينة عين البيضاء، وعن كيفية التحاقه بالثورة بين المجاهد بأن والده بلقاسم كان منخرطا ضمن صفوف جمعية العلماء المسلمين فهو كان إماما خطيبا في مسجد بن مروان الشريف بعنابة والذي كانت تسيره جمعية العلماء المسلمين، ووالده كان ممثلا لجمعية العماء في جهة عنابة والطارف وغيرها، وحدث وان تم توقيف والده الخطيب من على المنبر في خطبة الجمعة، وتم نقله لمنطقة سوق السبت بالذرعان سنة 1957، أين تم إعدامه رميا بالرصاص وتم نقل والدته بعد ساعة من ذلك وإعدامها بالطريقة نفسها التي أعدم بها والده، وأشار المتحدث بأنه كان يحضر اجتماعات جمعية العلماء المسلمين بحضور العربي التبسي ومبارك الميلي في منطقة الذرعان، أين كانوا يجتمعون داخل مربط الحيوانات خفية عن الاستعمار الفرنسي، وهي منطقة بعيدة عن الأنظار وهي التي كان المتسوقون لمنطقة الذرعان يضعون فيها حيواناتهم.
المجاهد عباس لغرور أمر بالتعريف بالثورة والتجنيد لها بالشرق
وقال المتحدث بأنه كان يقطن وعائلته بمنطقة الذرعان التابعة حينها لولاية عنابة، وحين احتفل المستعمرون بمناسبة استقلال فرنسا في الرابع عشر جويلية، أقيمت منصة موشحة بالأعلام الفرنسية، وكان حينها صغير السن لا يتجاوز عمره 19 سنة متابعا للحفل، أين قام أحد المستعمرين بالاعتداء عليه وأطلق عليه وصفا مهينا، وجعلته تلك الإهانة يقرر الالتحاق بجيش التحرير، والتقى بعدها رفقة صديق له بمنطقة الذرعان بالمدعو «الحاج الشريف» وأعلمه بما حصل معه، فأخبره بتحضيرات جارية لانطلاق معركة ضد فرنسا، واقترح عليه المشاركة فيها، فقدما سيرا على الأقدام وسارا ليلتين مشيا على الأقدام باتجاه وادي الزناتي بقالمة، ومرت بجانبهما بعدها حافلة كانت تسير باتجاه مدينة عين البيضاء، وكان على متنها المدعو «أحمد ولد النقلي»، فتوقفا بعين البيضاء وقضيا ليلتهما في العراء، ثم توجه بمعية صديقه باتجاه خنشلة وكان ذلك شهر أكتوبر من سنة 1954، أين وصلا نحو المنطقة التي يتواجد بها المجاهد عباس لغرور، فطلب المجاهد عباس لغرور من المحيطين به أن يتكفلوا بهما بالإطعام والمبيت، فتم التكفل بهما لـ6 ليال متتالية، ثم جلسا متحاورين مع المجاهد عباس لغرور، وعرضا عليه المشاركة في الثورة، وكانا حاضرين للمرحلة الأولى للتخطيط لانطلاق أول رصاصة لثورة التحرير الكبرى.
وبعد تلك الليلة تم نقلهما لمنطقة جبلية وبقيا مختفين طيلة 8 أيام متتالية، ثم تم تكليفه بمهمة تفجير قنبلة في عملية فدائية لاختبار صدق نواياه بالالتحاق بالجيش الوطني الشعبي، وكانت الوجهة المحددة مدينة مسكيانة، أين تم تكليفه بإلقاء القنبلة وسط تجمع للمعمرين، مع الاحتفاظ بالجانب الحديدي للقنبلة كدليل على تفجيرها، وحين وصل للمدينة توجه بداية للمدعو «صالح بن التريكي» وهو صاحب مخزن للقمح، وكان صديقا لوالده، أين استضافه في منزله وقدم له وجبة العشاء، وتحاورا عن سبب قدومه للمدينة، فأعلمه بالمهمة الموكلة له، فساعده «صالح بن التريكي» في مهمته، وبعد إلقاء القنبلة فر هاربا باتجاه حمام شعبي وسط مسكيانة كما تم التخطيط له، أين أخفى القطعة الحديدية للقنبلة في دلو للمياه، واقتحم عناصر من الدرك الفرنسي الحمام بحثا عن من أطلق القنبلة اليدوية، ولم ينجح في القبض عليه، وفي اليوم الموالي منحه صاحب الحمام «حمارا» وحددت وجهته باتجاه أحد الأودية نحو ولاية خنشلة مرورا بالضلعة.
إلقاء قنابل يدوية تأشيرة القبول ضمن صفوف جيش التحرير
ويكشف المجاهد حسيني إسماعيل، بأنه وبعد مرور نحو شهرين من انطلاق ثورة التحرير، تواصل معه المجاهد عباس لغرور بمعية كل من صالح الثابتي وعاشوري المولدي والمجاهد حقاص وحوحة بلعيد، فكان صالح الثابتي هو المسؤول عن مجموعة الستة، وتم تكليفهم بالتوجه لمنطقة الحراكته انطلاقا من منطقة تافرنت لبث الثورة في صفوف سكان مختلف المناطق، ويشير المجاهد بزويش بأن هذه المجموعة كانت هي الأولى التي بثت الثورة وسط المواطنين، وبعد مرور شهر ونصف اجتمعوا مجددا بالولاية التاريخية الأولى، وتم تكليفهم هذه المرة بالتجنيد للثورة، ومن بين المجاهدين الذين تم تجنيدهم كل من الطيب كواح وعمار صحبي اللذان تنقلا وتوجها نحو «فيرمة عبد الله زحزاح» بسدراته، أين تم القبض عليهما حينها وكانا أول معتقلين من طرف الاستعمار الفرنسي، أين أدينا بعقوبة الإعدام وظلا معتقلين حتى استقلال الجزائر.
ويروي المجاهد «بزويش» عن تفاصيل أول كمين له مع مجموعة مجاهدين، أين ترصدوا عددا من عناصر الدرك الفرنسي بمسكيانة يتوجهوا نحو السكنات بمنطقة «فج الصبة» بين تافرنت والجازية، أين ينتهكون حرمة المنازل ويعتدون على السكان ويستولون على مختلف الأغراض، وتم رصد مجموعة من 8 إلى 10 من عناصر الدرك سنة 1955، وضمت مجموعة المجاهدين محدثنا «بزويش» و»عمار الرافال» وصالح الثابتي والمولدي، أين قاموا بداية برمي قنابل يدوية وأطلقوا عيارات نارية على عناصر الدرك الفرنسي، ونجحوا في قتل عدد من عناصر الدرك وأحرقوا 3 آليات كانوا على متنها، وفروا هاربين ، وشاركوا بعدها في عملية ثانية بمنطقة قنتيس، أين أصيب حينها محدثنا بأول رصاصة في يده اليمنى، وتم القبض عليه سنة 1955، أين تم نقله لمقر الدرك الفرنسي بمسكيانة ثم حول لمحكمة مسكيانة، وأوهم حينها حراسه بالتوجه لدورة المياه، ليفر هاربا خارج مقر المحكمة، أين وجد سيارة بها سائقها، وهو الذي ساعده على الفرار نحو جبل بوتخمة، وظل لأسبوع بين الأحراش والأشجار، حتى التقى بمجموعة مجاهدين وتنقلوا صوب مدينة مسكيانة، أين تم تقديم الإسعافات ليديه اللتان انتفختا بسبب القيود التي كانت بهما وفر هاربا وهما مقيدتين، وعلم بعدها بأنه أدين بعدها غيابيا بالإعدام وكان ذلك سنة 1955.
وبخصوص معركة قنتيس التي وقعت صيفا سنة 1957، فوصلت معلومات لعناصر الجيش الوطني بأن الاستعمار الفرنسي يجند شبانا بالقوة، وتم التخطيط لمهاجمتهم من طرف مجموعة مجاهدين قوامها 30 مجاهدا، أين تم مهاجمة مركز للجيش في حدود السابعة صباحا، وتم القضاء على نحو 20 عنصرا من عناصر الجيش الفرنسي، وفر عشرات الشبان الذين كانوا في طريقهم للتجنيد الإجباري، ومع نهاية 1957 تم القبض عليه مجددا في محيط مدينة سدراته ونقل لسجن بقالمة ليحول لسجن بقسنطينة، ثم يعاد نقله لمحكمة قالمة بصدد محاكمته، ويروي المتحدث متأثرا بأن قاضية كانت تقطن بجوار سكن عائلته بمنطقة الذرعان وهي التي تعرفت عليه، وأخطرت شخصا ليطلب منه الفرار من المحكمة، ونجح في الفرار باتجاه محطة القطار بقالمة، أين ركب إحدى العربات التي كانت تنقل رؤوسا من «الخنازير البرية»، وحتى وصوله لمنطقة بوشقوف قفز من عربة القطار فأصيب بكسور، وقام عدد من المواطنين من سكان منطقة بوشقوف بالتكفل به وتقديم العلاجات له، وعلم مجددا بأن حكم الإعدام صدر في حقه غيابيا بمحكمة قالمة.
المجاهد عميروش أول من أشرف على قوافل تسليح المجاهدين بمنطقة القبائل
ويروي المتحدث بأنه شارك في معركة بجبل أرقو بالنمامشة، وهي التي أصيب فيها على مستوى رجله اليمنى، وتوجه بعدها نحو تونس في مهمة لتسليح الثورة، بقيادة المجاهد عميروش الذي جمع عددا من المجاهدين وأخبرهم بأن الاستعمار الفرنسي يعتدي على المواطنين بمنطقة القبائل، ونجح المجاهد «بزويش» بمعية مجموعة المجاهدين بينهم «علي عيادي» في تهريب كمية معتبرة من قطع الأسلحة من منطقة «غارديماو» مرورا بالحدود التونسية باتجاه منطقة القبائل، وكان ذلك تحت قيادة «سليمان لاصو» ابن مدينة سوق أهراس، واستغرقت مدة نقل الأسلحة نحو شهر كامل، لينجحوا بعدها في إيصال السلاح لمنطقة القبائل مع تسليمهم حتى اللباس العسكري، وعادوا بعدها للحدود التونسية لإعادة نقل شحنة ثانية من الأسلحة، وفي طريق العودة مرت المجموعة بمنطقة لعناصر الجيش الفرنسي، فتم التخطيط لمهاجمتهم والاستيلاء على قطع الأسلحة التي تعود لهم، ونجحت المهمة بفرار عناصر الجيش الفرنسي.
وخلال العودة لتونس توجهوا لمنطقة الكاف التونسية، برئاسة غزيل عباس، أين خضعوا لتدريب بحضور آدمي بشير، وعدد من المجاهدين، أين تلقوا تدريبا عسكريا نظاميا، نالوا خلالها أوسمة وتقلدوا رتبا مختلفة، وكان من ضمن المدربين إطار من ألمانيا يدعى «علي للماني»، وتقلد محدثنا رتبة ضابط في جيش التحرير الوطني سنة 1959، وبحسب محدثنا فهو ومجموعة المجاهدين تنقلوا بين عديد مناطق الوطن بين الجنوب الكبير وحتى في الشمال، ومن بين المعارك التي شارك فيها معركة السطارة بمنطقة بني صبيح ببلدية غبالة بجيجل، وهي معركة دامت نحو 7 أيام وهي المعركة الثانية بعد معركة الجرف وترأسها المجاهد الضابط فيلالي مصطفى، وقتل فيها أزيد من ألف عسكري فرنسي.
وعن الإصابات التي تعرض لها محدثنا ، أوضح بأنه أصيب بنحو 35 رصاصة وفي جسده نحو 9 كسور في عظامه ومن بين الضربات ضربات تلقاها في رأسه، ويحصي المتحدث 21 إصابة في جسده أصيب بها في مختلف المعارك التي شارك فيها إضافة إلى إصابته بـ14 رصاصة خلال العشرية السوداء، وغداة الاستقلال كان لوزير الصحة نقاش مع الدكتور هدام، الذي كان له الفضل في التحاقه بقطاع الصحة، أين أخضع عدد من المجاهدين لتربص خاص بالإسعافات الأولية استمر لنحو 25 يوما، في ظل عدم وجود الممرضين، وتم توظيفه بعد ذلك ممرضا بمستشفى عين البيضاء، وعند تعيين بوحارة كوزير للصحة، تواصل معه وأخضعه لتربص حول تسيير الإدارة، ليكلف بمنصب نائب مدير مستشفى خنشلة بمعية ابن مدينة عين البيضاء زموشي دامانا، ثم حول لعيادة قايس ثم مسكيانة ثم الواد والجلفة وسيدي بلعباس ومصطفى باشا ووهران أين اشتغل في هذه المحطات كمدير، ونجح بعدها في إتمام دراسته في تخصص علم المكتبات بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة منتوري بقسنطينة أين تحصل منها على شهادة في الدراسات التطبيقية الجامعية شعبة علم المكتبات وتحصل بعدها على شهادة من الجامعة نفسها ضمن قسم العلوم القانونية والإدارية، تخصص ليسانس وحقوق شعبة علوم قانونية وإدارية، ويشير المجاهد حسيني إسماعيل بأنه اليوم يقطن بحي حيحي المكي بعين البيضاء بمعية 4 من أبنائه تتراوح أعمارهم بين 14 و60 سنة.
أحمد ذيب