يعود بنا المجاهد ساعد عسلوج في هذه الشهادات الجديدة إلى مشاركته في هجومات 20 أوت 1955، وكيف هاجم رفقة مجموعة من المناضلين مقري محكمة وبلدية الحروش وحرق ما فيهما من وثائق وملفات وردود فعل العدو عليهم بطلقات مدفعية، وكيف تدخلت إحدى النسوة لإخفائهم بمنزلها بعيدا عن أعين العدو لتفادي مطاردتهم، وكذا التقائه بالبطل الشهيد زيغود يوسف وتكفله بتأمين المسالك والطرقات من أجل ايصاله إلى مراكز تجمع المجاهدين على مستوى اقليم ناحية الحروش وما جاورها، وتأكيده له في آخر لقاء به أن الجزائر ستنال الاستقلال لا محالة، بالإضافة إلى نجاته رفقة عمه من الموت وكيف تمكن المسؤول العسكري عن الفوج العايب الدراجي من تحطيم وإسقاط طائرة للعدو عندما كانت تقصف المناضلين بينما كانوا محاصرين بنواحي منطقة مسونة. وغيرها من العمليات التي شارك فيها خلال هذه الأحداث.
ويعتبر ساعد عسلوج، من المجاهدين القلائل إن لم نقل الوحيد الذي شارك في هجومات 20 أوت 1955 ولا يزال على قيد الحياة حيث يتجاوز عمره 94 سنة لكنه ظل يحتفظ ويتذكر جيدا كل المحطات والأحداث التي شارك فيها وكذا الأماكن وأسماء رفاقه المناضلين الذين استشهدوا خلال الثورة بداية من مجازر 5 ماي 1945 إلى غاية الاستقلال.
ومن أجل نقل شهادته حول هجومات 20 أوت 1955 توجهت النصر إلى منزله الكائن بقرية التوميات نحو 4 كلم عن مقر مدينة الحروش أين استقبلنا رفقة ابنه علي، وقبل أن يشرع في سرد تفاصيل مشاركته في هذه المحطة المفصلية من تاريخ الثورة التحريرية، توجه لغرفته وأحضر لنا العلم الوطني الذي كان يحمله في ذلك اليوم التاريخي حيث تشعر وأنت تمسكه بيديك بشعور رهيب يتملك جسمك و كأن الزمن عاد بك إلى تلك الفترة.
وأكد المتحدث قائلا : « إنه في 20 أوت 1955 خرجنا حاملين البنادق والسكاكين والعصي والسواطير من أجل التضحية في سبيل الوطن و بحكم أنني كنت دركيا آنذاك فقد منحوني بندقية رفقة مجموعة من الرفاق وقد كلفنا حينها المسؤول العسكري العايب الدراجي بمهاجمة مقري المحكمة والبلدية بوسط مدينة الحروش وإضرام النار فيهما وإحراق الوثائق والملفات حيث التقينا أمام مقر الدائرة وإنقسمنا إلى فوجين الأول الذي كنت فيه توجه إلى مقر البلدية والثاني إلى مقر المحكمة «. وأتذكر يضيف « كان برفقتي في هذه المهمة رمضاني علي رحمه الله، عمار بوالنمورة، رابح بلهادف، و العربي بوصرة دخلنا مقر البلدية لكن لسوء الحظ النار لم تشتعل في المبنى فقمنا بإحراق الوثائق والملفات، وفي طريق مغادرتنا المكان من خلف المقر اكتشف أمرنا من طرف جنود فرنسيين كانوا متواجدين في الطابق العلوي لمقر البلدية فقاموا بإطلاق النار باتجاهنا فأصيب خلالها عمار بوالنمورة على مستوى الظهر، بينما سقط أحدنا يدعى علي فتوجهت رفقة العربي بوصرة لموقع سقوطه لأخذ بندقيته، وغادرنا مسرعين«.
امرأة أنقذتنا من ملاحقة البوليس الفرنسي
وتابع يقول إنهم نجوا بأعجوبة من ملاحقة البوليس الفرنسي لأنه بعد مغادرتنا المكان ولحسن الحظ شاهدتنا امرأة تدعى بن بليعد تقيم في «كور بن ساسي» بحي 20 أوت 1955 حاليا فقامت بإدخالنا إلى منزلها وإخفائنا عن أعين العدو وكان ذلك حوالي الثالثة مساء حيث تكفلت بإسعاف المصاب وعلاجه حتى زال عنه الألم وإلتفتت إلينا وطلبت منا مغادرة المنزل حيث أرشدتنا إلى أحد المنافذ عبر مكان يسمى «اسطبل بوبغل» بجوار مقر المحكمة الجديد غير بعيد عن مفترق الطرق المؤدي إلى بلدية زردازة، بينما طلبت أن يبقى أحدنا مع رفيقنا المصاب عمار بوالنمورة على أن تتكفل بتهريبه في الليل فقرر صالح قيرة البقاء معه، وفي الطريق وجدنا المكان محاصرا من طرف العساكر فلم نكترث للأمر لأننا كنا حينها مستعدين للموت فاتفقنا على خطة تقضي بأن يتكفل اثنان منا بإطلاق النار والآخران يندفعان للهروب، ولحسن الحظ نجحنا في مغادرة المكان دون أن يصاب أي واحد منا، وأكملنا السير إلى غاية منطقة الظهيرة التابعة إلى بلدية صالح بوالشعور على مستوى الطريق الوطني رقم 3 حاليا حيث وصلنا في حدود الخامسة مساء، وهناك وجدنا المسؤول العسكري العايب الدراجي في انتظارنا ومباشرة طلب منا العودة لدعم المجموعة المتبقية في الحروش لكنني أبديت رفضي لأن الذخيرة نفدت مني ولم يتبق في البندقية سوى خرطوشتين حينها سمعنا طلقات نار تدوي من مكان قريب منا وبالتحديد بقرية السعيد بوصبع فقررنا التوجه إلى جبل لمحيقن وبقينا نراقب الوضع، وفي حدود السادسة شاهدنا العدو يضرب مقر المحكمة بالمدافع بعد أن تأكدوا من وجود مناضلين هناك قاموا بإضرام النار فيها وحرق الوثائق، وهو الفوج الثاني الذي تكفل بهذه المهمة من ضمنهم محمد بوحوش، الميهوب بلحاج، ومحمد قديد رغم أني كنت أوصيتهم عندما التقينا أمام الدائرة بتنفيذ المهمة والمغادرة فورا لكنهم تأخروا إلى غاية المساء.
زيغود يوسف قالي لي بأن الجزائر ستنال الاستقلال وكنت أتكفل بنقله
وروى المجاهد عسلوج كيف التقى بالشهيد البطل زيغود يوسف « كنت مكلفا بتأمين طريق سير زيغود يوسف، وأتكفل بنقله إلى مراكز المجاهدين حيث كان هو يركب الحصان وأنا أسير أمامه لأحرس وأراقب الطريق و تأمين وصوله إلى وجهته، وكان يطلبني باستمرار للقيام بهذه المهمة سواء في الليل أو النهار لثقته الكبيرة في شخصي
وأتذكر أنه قال لي في أحد الأيام أن الجزائر ستنال الاستقلال وكلفني حينها بمهمة توصيل رسالة إلى أحد الأشخاص بمكان يسمى الحركات نواحي خندق عسلة ببلدية زردازة كان نشاطه يتمثل في صناعة السلاح، وطلب مني زيغود العودة فورا لأخبره بأنني سلمت الرسالة ورغم بعد المسافة بين دوار بوحاجب ببلدية أولاد أحبابة وقرية خندق عسلة ببلدية زردازة إلا أنني قمت بالمهمة بنجاح وفي ظرف وجيز لأنني معروفا بنشاطي وخفتي في تلك الفترة، كما طلب مني في آخر مرة ايصاله إلى منزل محمد بوعنينبة بنواحي التوميات وهو عبارة عن مركز يقصده المجاهدون للمأكل والمبيت، وأوصى زيغود عمي عزالدين أن يحرص على منحي المأكل والملبس وكانت المرة الأخيرة التي ألتقي فيها الشهيد زيغود يوسف.
قائدنا العسكري أسقط طائرة للعدو بطلقات نارية
كما روى المتحدث حكاية تعرض المسؤول العسكري العايب الدراجي إلى خيانة للوصول إلى مكان تواجده و قتله وكان ذلك في إحدى الليالي عندما سمعت إطلاق نار بمنطقة خندق عسلة، وتوجهت مباشرة لإخباره لكنه لم يأبه للأمر وقال بأنه ليس بطلق ناري فسمعت طلقا ناريا للمرة الثانية فأخبرته لكنه لم يكترث كذلك لكن في المرة الثالثة وكان ذلك بعد طلوع النهار طلب مني الإسراع في ايقاظ المجاهدين وإخبارهم بقدوم العسكر الفرنسي فأدركنا بأنهم كشفوا أمرنا فسارعت أنا وعمي لمغادرة المكان، بينما تخلفت بقية المجموعة ولم تلتحق بنا فوجدوا أنفسهم محاصرين أين تعرضوا إلى القصف بالطائرات نتج عنها سقوط 7 شهداء في ميدان الشرف. أما العايب الدراجي فقد كان مختبئا في مكان آمن رفقة اثنين من المجاهدين وتمكن من إسقاط طائرة بعدة طلقات ثم غادر المكان بعد أن تأكد العسكر بأن المجموعة مسلحة. كمال واسطة