من الصالات الفخمة و مواكب الصخب إلى سكون الطبيعة: حفلات زفاف و عقود زواج تحت أشجار الفلين بقالمة

بين شجرتي فلين وسط غابة ماونة الشهيرة يسابق صلاح الدين الزمن لتركيب ديكور جميل، قبل قدوم موكب العروسين و المدعوين لإبرام عقد زواج لدى موثق حمل معه الختم و سجل العقود، و التحق بالغابة الجميلة لإنجاز المهمة، و ترسيم الرابطة الأسرية الجديدة، و الإعلان عن ميلاد أسرة فتية في رمزية متفردة تبرز الرباط المتين بين الإنسان و الطبيعة، و على مسافة قريبة كان حفل آخر يبدو حفل زفاف على وشك الانطلاق تحت شجرة فلين عملاقة، و بساط ربيعي أخضر زاد من جمال الحفل و بعث السرور و البهجة بين المدعوين.
منذ بداية جائحة كورونا تحولت غابة ماونة الواقعة قرب مدينة قالمة إلى فضاء طبيعي مفتوح لإقامة حفلات الزفاف و عقود الزواج بعد أن أغلقت القاعات أبوابها، و أطبق الحجر الصحي على سكان المدينة التاريخية العريقة، و أوقف تلك الحفلات الصاخبة التي كانت لا تتوقف على مدار العام، من قاعات عقود الزواج بمنى البلدية إلى الصالات المنتشرة في كل الأحياء السكنية الكبرى، حيث المواعيد المتزاحمة و الأسعار التي لا تتوقف عن الصعود كل صيف عندما تبلغ تلك الحفلات ذروتها.  
يقول صلاح الدين بزازي مجهز ديكور الحفلات العائلية بمدينة قالمة بأن إقامة هذه المناسبات وسط الطبيعة لم يكن أمرا مألوفا لدى سكان المدينة، و لم يكن يتوقع يوما أن ينصب الخيمة و الديكور الجميل تحت أشجار الفلين، و يستقبل المدعوين وسط فضاء طبيعي جميل و هادئ، مضيفا بأن جائحة كورونا قد تفرض المزيد من العادات و التقاليد الاجتماعية الجديدة، و تعيد الإنسان إلى الطبيعية باعتبارها الملاذ الآمن.
تحت الشجرة .. بيعة على الوفاء للرباط المقدس
و يجلس العروسان و بجانبهما شهود الرباط العائلي المقدس، أمام الموثق ليستمعا إلى واجبات و حقوق كل طرف، و أهمية العلاقات الاجتماعية الإيجابية، ثم يوقع العقد على وقع الزغاريد و البارود و الألعاب النارية التي تدوي وسط الغابة الواسعة الأرجاء، حيث تعيش كائنات أخرى تترجى الإنسان بأن يحافظ على بيئتها و لا يؤذيها و لا يمسها بسوء، حتى تكون له الملاذ و السند كلما أنهكته متاعب الحياة.
و بعد أن كانت العروس القالمية تشترط الصالات الفخمة و المواكب التي تملأ الشوارع صخبا و ضجيجا، صارت اليوم أكثر انجذابا إلى الطبيعة، حيث الهدوء و السكينة و التأمل في إبداع الخالق، و قداسة الرباط الأسري الذي أصبح مهددا بتحولات اجتماعية متسارعة تكاد تفقد معنى الحياة و الأمل.  
و كلما كانت الأجواء ربيعية مشمسة زادت حفلات الزفاف بغابة ماونة، ملهمة الفنانة العالمية الراحلة بيتينا هاينن عياش، التي رسمت أجمل اللوحات التي تحاكي جمال لالة ماونة التي شبهتها بالمرأة الجالسة ذات الحجر الكبير الذي يتسع للذرية و الخير الكثير، و هو ما يترجاه الأزواج الذين قرروا بداية الرحلة و الحياة الجديدة من هنا، من قلب غابات الفلين و الزان و الأرز رمز الخير و الأمل.  
و تقطع مواكب الزفاف مسافة 14 كلم تقريبا بين مدينة قالمة و آخر موقع لإقامة حفلات الوسط الطبيعي المفتوح، و تمر عبر مناظر جميلة فيها الهدوء و السكينة، و فيها تلتقط العدسات أجمال الصور التذكارية للحفل البهيج الصديق للبيئة و أمنا الأرض.
و قال محافظ الغابات بقالمة بوبكر بادي للنصر بأن حفلات الزفاف بالوسط الغابي أمر يبعث على الأمل و يؤسس لمرحلة جديدة من التصالح بين الإنسان و الغابة، مضيفا بأن نشاطات ترفيهية شبابية و عائلية ستقام هذا الصيف بغابات ماونة، بوعربيد، جبل عربية و بني صالح، داعيا المواطنين إلى بذل المزيد من الجهد للمحافظة على الوسط الطبيعي التنوع البيئي بالمنطقة.  و عقب كل حفل يقام بغابة ماونة الخضراء، ينظف المدعوون و المنظمون مواقعهم في سلوك بيئي يؤشر لمرحلة جديدة من العلاقة بين المواطن الجزائري و الطبيعة، التي ظلت تتأذى بالحرق و القطع و التجريف، و التلوث الكاسح.                         فريد.غ